المفكر الإسلامي الشيخ شمس الدين ..يتيما
د.نسيب حطيط
تطل الذكرى الرابعة عشرة لوفاة المرحوم المفكر الشيخ محمد مهدي شمس الدين، كما سابقاتها تفتقد الوفاء لأحد علمائنا المجاهدين ،اليتيم حزبيا والذي نسيه المثقفون في زمن يشابه زمن كافور الإخشيدي الي تحول فيه المتنبي مادحا من اجل العطاء !
تحترم الأمم والجماعات أعلامها ومفكريها الذين ساهموا ببنائها وأعطوها ما لديهم من فكر ورعاية ،فإن تخلت عن تراثها خسرت ماضيها الذي تستند إليه في زمن لا تستطيع حماية حاضرها او التأسيس لمستقبلها المهدد وجودا وفكرا وهوية وعندما تجحد قادتها تهين نفسها ولا تهينهم لأنها سلكت طريق الإلتزام بشعار (إنما الحزبيون أخوة ) خلافا للمبدأ القرآني (إنما المؤمنون أخوة) حتى ولو كانوا في تنظيم آخر او من المستقلين فيصبح المذهب مذاهب متعددة وفق عدد تنظيماته او وجهات نظره المختلفة وصولا للتكفير او النفي المعنوى والإجتماعي للفرد المستهدف او الجماعة المستهدفة .
لقد كان الشيخ شمس الدين رفيق درب الإمام المخطوف السيد موسى الصدر في طريق الجهاد والمقاومة وإعادة الإعتبار للطائفة وللوطن ، ثم تحمل امانة رئاسة المجلس الشيعي وحماية حركة أمل مع الأخ الرئيس نبيه بري ووقف مع المقاومة التي قال عنها في العام 1997 (وأقول من الآن أن من يمد يده على المقاومة الإسلامية وسواها فسنكسر يده أو نبترها، ولن نتصرف وفق أي معايير أو داخل أي خطوط حمر إطلاقا، لذا احذر وأقول احسبوا جيدا قبل أي عمل عدواني.) وقبل ذلك كان ممثلا للمرجع السيد محسن الحكيم في الديوانية في العراق ومفكرا إسلاميا على مستوى العالم الإسلامي وداعية حوار في لبنان .
ونتساءل بإستغراب ودهشة ...لماذا لا يبادر أحد لإحياء ذكراه ونشر أفكاره وتكريمه حيث تمر الذكرى يتيمة لا يعرفها بها أحد لقراءة الفاتحة على الأقل وهل كانت ذكراه تمر تسللا ،لو تم الإعتراف به من تنظيم أو حزب او مؤسسة ما؟
من لا يكرم او يحترم سلفه لن يكرمه خلفه فيما بعد، فمن سن سنّة كان الأولى في حصاد ثمارها سواء كانت سلبية او إيجابية ولا عذر لأحد في ذلك ،لأن تكريم الشيخ شمس الدين ليس مسؤولية عائلته بالرحم بل مسؤوليتنا جميعا لأنه علم من أعلام لبنان والفكر الإسلامي والإنساني ، والشيخ كما الإمام الصدر في منهج سلوكي واحد فلم يلصق اسمه على صرح بناه لتخليد ذكراه وكذلك لم يسند الآخرون اسمه على صرح بنوه أو استكملوا بنائه والظاهر ان حكاية القاضي مع موت جنينه تتكرر عبر التاريخ ،حيث تقول الرواية ان قاضيا اسقطت زوجته جنينها غير المكتمل فسارع الناس إليه لتقديم العزاء والمواساة وظلوا يحيون ذكراه كل عام وثبتوا يوم دفنه يوم حداد رسمي يقيمون فيه مجالس العزاء وعندما توفي القاضي لم يشيعه أحد والغى القاضي الجديد يوم الحداد على الجنين وهدم الضريح الكبير المشاد فوقه !
لقد تسنى لي معرفة المرحوم الشيخ شمس الدين عن قرب وبلا حواجز وحاولت التعلم منه ما تيسر وعرفت فيه الزاهد الذي لم يستطع بناء منزل خاص به إلا قبيل وفاته ويذكر زملاؤه في النجف أنه استمر لأكثر من أربعين يوما ياكل البطاطا ومرت أيام يقتات على فتات الخبز الذي يرمى من الطلبة الفقراء! وحسب علمي انه انجز رسالته في الإجتهاد أواسط الثمانينات ، لكنه تردد في نشرها على الأحوط وفق منهجيته العلمية والدينية .
سلاما الى روحك الطاهرة وعسى أن يبادر احد من تلاميذك او من ولاة الأمر او المعنيين لتجاوز الخطأ او النسيان ويبادر الى إحياء ذكراك حتى يحترمنا الاخرون ولا نوصف بالعقوق لعلمائنا ومفكرينا والفاتحة لروحك الطاهرة ....مع الإعتذار .